قد يقول البعض إن الجزائر تعد بامتياز نموذجاً لمرحلة ما بعد الاستعمار. لقد أعطت حرب الاستقلال طويلة الأمد والتي أصبحت نموذجاً لصراع العالم الثالث، والحزب الوطني الذي كان فرانتز فانون متحدثه الرسمي، دفعة لكلمة algérianité (الوطنية الجزائرية)، والتي كانت كلمة طنانة في كل البحوث التي تناولت مرحلة ما بعد الاستعمار. إضافة لهذا، فإن جبهة التحرير الوطني، والتي أعلنت نفسها الحزب الوحيد حتى 1989، لم تفز بالحرب ضد الفرنسيين فقط (وضد خصوم جزائريين) أثناء الثورة وحسب، ولكنها بقيت في السلطة بعد انتخابات مايو 2012 التشريعية. إنه من المؤكد أن الجو السياسي الحالي لا يزال مرتبطاً بشكل كبير بحرب الاستقلال. في الاسبوع الذي سبق الانتخابات، وقف الرئيس بو تفليقة في سطيف (حيث قام الاستعمار بمذبحته الشهيرة في 8 مايو 1945) واستحضر تضحيات جيله في محاولة واضحة لكسب رصيد شعبي من حرب الاستقلال.
إن الشعور بالراحة في تلك الاستعارة البالية للمسار الوطني المضاد للاستعمار وربطه بالمسار الرسمي الحالي لا يقتصر على الجزائر وحدها، بل إن الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد استحضرت "التدخل الأجنبي" في أوقات مختلفة عندما واجهت انتفاضات شعبية وصفها المراقبون، على مضض، بـ"الربيع العربي". وهكذا، وبينما كنت أراقب المنصات التي تُنصب، والحافلات التي تُزين، والمؤتمرات التي تنظم في الجزائر في الأسبوع الماضي للاحتفال بالذكرى الخمسين للخامس من يوليو، لم أستطع مقاومة رغبتي في التساؤل: ما الذي تعنيه مرحلة ما بعد الاستعمار في 2012؟
قد يكون هذا سؤالا غريباً، باعتبار أن الجزائر تعتبر الآن "استثناء" للربيع العربي. وربما يكون من غير الانصاف أن نسأل هذه النوعية من الأسئلة حيث أن المنظرين ليسوا بالضرورة مجبرين على استعمال الاحداث المعاصرة كأدوات للتحليل. ولكن بغض النظر عن هذا، فعندما نرى مقارنات بين النظام الحالي ونظام الاستعمار الفرنسي فإنه لا بد علينا أن نتوقف وندرس بضعة أمور. ما سيأتي من طروحات مبني على خبرتي في التنظير، والتأريخ، والنقاش، والتوثيق، والعيش في الجزائر. ورغم هذا، فإنني آمل أن هذا سيساعدنا على التفكير في اللحظة الحالية كواقع يمكن تصوره وحدوثه في أماكن أخرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
ما هي السلطة؟ من الهيمنة الاستعمارية إلى غموض لي بوفوار Le Pouvoir
كان تحليل السلطة الاستعمارية حاضراً دوماً في جوهر كل نقد للاستعمار. إن مفهوم السلطة كما أعاد تصويره Antonio Gramsci، وGayatri Spivak، وMichel Foucaul، وآخرين، لم يكن حول القمع أو الاحتكار فقط لوسائل العنف. وفيما لم يكن هناك رأي واحد، فإنه من المنصف أن نقول أن منظري ما بعد الاستعمار ركزوا على الجوانب البناءة للسلطة الاستعمارية. بناء عليه، فإن الهيمنة الاستعمارية أظهرت أن المستَعمَرين قبلوا الشروط التي بموجبها فرضت الهيمنة عليهم، كما أن المستَعمَرين، كما قيل، أعادوا إنتاج الطرق التي نشرها المستعمِرون والتي تعبر عن وجودهم في العالم وقاموا بتعريفها وتبنيها. وبالتلازم مع هذا الاستحضار للسلطة جاء مفهوم الثانوية، والذي بدأ كطريقة للهروب من الحدود الضيقة للتحليل الطبقي وانتهى إلى تجميع كل من همشتهم الدولة (غالبا ما يستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى الجنس أو العرق على سبيل المثال). ورغم ما علمنا إياه فوكو من أن السلطة كانت لا مركزية ومتفشية بالكامل، فقد كان واضحاً أين يكمن مصدر السلطة في أجهزة الدولة مثل المدارس، والسجون، والمستشفيات على سبيل المثال. وحيث أن هدف السلطة لا يقتصر على السيطرة على المصادر المادية وسلطة اتخاذ القرار، فإن مصدر السلطة أصبح مفهوماً بشكل عام في ضمن هذا السياق.
على الرغم من ذلك، فإننا لا نستطيع الحديث عن هيمنة النخبة السياسية في الجزائر، ولكننا نستطيع الحديث عن الرؤية الضبابية لبوفوار. فالطبقة الحاكمة مشهورة بالغموض، والبلد يعاني من انقسامات واضحة بين الادعاءات الرئاسية وأجهزة الأمن والمخابرات المتنفذة بقوة (DRS, Département du Renseignement et de la Sécurité). إضافة إلى هذا، تمتلك الجزائر تاريخاً من الاغتيالات والفساد، وانتشار الاعتقاد بنظرية المؤامرة مما جعل من المستحيل تقريباً أن نعرف من يسيطر على ماذا. فلنأخذ توفيق مدين على سبيل المثال، والذي يقال عنه في بعض الأحيان إنه أقوى رجل في البلاد باعتباره رئيساً لجهاز الأمن والمخابرات. ورغم ذلك، فإنه من المدهش أن هناك صورة واحدة فقط متداولة له. في الخامس من يوليو، وبينما أنا جالس مع زملاء لي بعد أن حضرنا مؤتمرات مطولة في ذكرى الثورة، كان هناك توقعات حول مكان إقامة مدين، وبعد الاستماع لبضعة نظريات متداولة، بدأنا بالمزاح قائلين أنه موجود في كل مكان وفي لا مكان، لقد كان "سريع الزوال" كا وصفه أحد الأصدقاء. مدين هو روح النظام ولكن بدون تواجد مادي حقيقي. هناك تساؤل دائم في الجزائر عما إذا كان السياسيون أحياء أو أموات، بالمعنى الحقيقي للكلمة. هناك حالة من الارتياب في السلطة المحتكرة للعنف (necropolitics) في استعارة لهذا المفهوم من أخيل امبيبي Achille Mbembe، وأصبحت بالفعل رمزاً نموذجياً لوضع السلطة في مرحلة ما بعد الاستعمار.
ولهذا، وعوضاً عن الاحتجاج ضد الاستعمار أو (المتعاونين) من النخبة، فقد أصبح الجزائريون مشاغبين بامتياز ( وأنا هنا أنصح بقراءة مدونة ألان بيرثوAlain Bertho، والتي تحتوي على قائمة شاملة لأعمال الشغب ليس فقط في الجزائر ولكن أيضاً في أنحاء أخرى من العالم). في عام 2012، يمكن أن نطلق لقب "المهمش" على العاطل عن العمل، وقاطني الضواحي المحرومة، أو طلبة الجامعات الفاسدة. إن استعمال مفهوم " الضرورة الاستراتيجية" ل Gayarti Spivak، وهو طريقة للتأكيد على الهوية متعددة الجوانب لإعطاء مكانة للمهمش، تبدو أقل وضوحاً في هذه الحالة. وبتعبير آخر، فإن الطبيعة المتغيرة للمهمش تستدعي استراتيجيات جديدة للتنازع خصوصاً وأن أشكال الهيمنة لم تعد متسقة أو واضحة.
ربما لا يوجد مثال على هذا التغير أفضل من الاحتفال الرسمي بالذكرى الخمسين في ملعب كرة القدم الضخم (والذي يسمى بدوره ملعب "الخامس من يوليو"). لم يكن الملعب أقل إمتلاء عنه أثناء مباراة فريقي حرّاش وإم سي إي فقط، ولكن الجو العام كان أقل تحفزاً بشكل واضح، فلم يكن هناك مسؤولون حكوميون ظاهرين للعيان، لا على المنصة ولا في الملعب، مما دعا أحد زملائي للمزاح قائلاً إن نظاماً استبدادياً حقيقياً كان سيعمل على امتلاء الملعب. بوتفليقة كان ملء الأعين في نهائي كأس الجزائر ولكنه كان بعيداً عن الأنظار في الاحتفال بالذكرى الخمسين.
من هو المستعمر؟ تنقية الهجين
يلوح شخص المستعمر كثيراً في عقلية ما بعد الاستعمار. وكما يخلق النظام الاستعماري "نسخة مصرح بها من الآخر"، وبكلمات أخرى يخلق نسخة من Homi Bhaba، فإن ديناميكيات المحاكاة تنبثق من محاولة التقليد الأعمى للتقاليد الاجتماعية للمهيمن، والذي أصبحت صفاته العرقية علامة للقوة والرقي الاجتماعي. وكما أوضح Fanny Colonna، ومع ذلك، فإن صفات المستعمرين لا يمكن أن يكتسبها المستعمَرون. وفي حين تم تصميم النظام الفرنسي لضمان "الحد الأقصى من استيعاب القيم التعليمية"، فإنه ايضا وضع الحدود بين الأوروبي والعربي، والتي بدونها كان النظام الاستعماري سينزلق للفوضى.[1]
هناك تماثلات مهمة يمكن استخلاصها بين محاكاة النظام الاستعماري والنظام الحاكم في الجزائر في 2012. فحتى لو يكن النظام من الناحية الشكلية فرنسياً، فإنه بكل تأكيد غريب ثقافياً. فلنأخذ على سبيل المثال سياسة التعريب، والتي لم تكن سوى فشل ذريع في الجزائر. فقد تم إبعاد الناس عن لهجتهم المحلية، وطُلب منهم أن يتحدثوا بلغة عربية معاصرة تقصر أدوات التعليم الحالية عن توفيرها. وبالطبع، فقد تم أداء مراسم الاحتفال بالذكرى الخمسين بالفصحى. يشعر أبناء النخبة أنفسهم بالراحة في استعمال الفرنسية، وهم مستمرون في إرسال أبنائهم إلى فرنسا للدراسة، وفي بعض الأحيان يرسلون أبناءهم للخارج في الصيف لتعلم العربية. أحد الأمثلة المضحكة حدث في مؤتمر صحفي حين هاجم الصحفيون رئيس الوزراء، أحمد أويحيى، لأنه أجاب على سؤال بلغة الكابلي.
تركزت أحدث الهجمات على النخبة الحاكمة الحالية على مقارنتهم بالمستعمر الفرنسي. فهم لا يظهرون إهمالاً مماثلاً لما كان يظهره الفرنسيون لحياة الناس العادية في الجزائر فقط، ولكنهم أيضاً يبدون، وبشكل واضح، غرباء في تقاليدهم اللغوية والثقافية. ورغم هذا الميل للنظر إلى النخبة الجزائرية على أنها "الآخر"، فإن الفرد الفرنسي الذي قاتل مع جبهة التحرير الوطني، مثل Maurice Audin أو Pierre Chaulet (الذي نشر مؤخراً مذكراته مع زوجته Claudine Chaulet)، قد تم محوهم من الذاكرة الجمعية.
في مقال نشر بملحق لجريدة "الوطن" في الخامس من يوليو، نقل عن طاهر بلبيس، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق العاطلين عن العمل، قوله "تتعرض الجزائر هذه الأيام لاحتلال داخلي". لم يقصد طاهر أن دمج البلد في الدولة هو عملية تشبه الاستعمار، في تعريف للهيمنة على الموارد الوطنية على سبيل المثال. ولكن تصريحه يستعمل الاستعمار بشكل معبأ سياسياً ليقول إن الجزائر قد تم إحتلالها بالفعل حين يقول :" نحن كما لو كنا تحت نير الظلم، والفساد، ومحاباة الأقارب، والاضطهاد"، ويختم طاهر كلامه باستعمال جملة تردد صداها كثيراً في أحداث الربيع العربي : "نحن نقاتل من أجل كرامتنا".
تتطلب عملية إعادة التفكير في مرحلة ما بعد الاستعمار أن نعيد تعريف كيف يتم استدعاء الاستعمار وتذكره من قبل الأطراف المتعددة. هذا يعني تذكر أن سياسة الهوية كانت وسيلة بيد الاستعمار تم التقاطها واستعمالها من قبل أنظمة ما بعد الاستعمار. يعد المستعمر اليوم شخصية ذات تأثير مستمر، رغم أن هذه الشخصية لا تتماشى مع " التمييز العرقي" التي كنا نتوقعها.
حزمة الأفكار الاستعمارية؟ زيارة جديدة للاستشراق ومضاد الاستشراق
أنا شخصياً مذنب بهذا، فغالباً حين تتم مناقشة تغطية "الربيع العربي"، يستل المعلقون نسخة من كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد (والذي عادة ما يكون موضوعاً بجانب كتابهم الأخضر- قاموس هانز فير الانجليزي- العربي- على الطاولة قرب السرير). إن موضوع إنتاج المعرفة يكمن في قلب عملية نقد مرحلة ما بعد الاستعمار. منذ احتلال نابليون لمصر، بدأ انتاج المعرفة عن الشرق الأوسط من قبل فصيل أساسي من أشخاص مهتمين سياسياً ممن وصموا المنطقة بكونها متعصبة، وجامدة، ومتخلفة. ووفقاً لحامد دباشي، على سبيل المثال، فإن " زعزعة النظام (نظام المعرفة) هو الحقيقة الأولى والأهم في هذه الانتفاضات". بالنسبة لدباشي، فإذا كان الغرب قد أنتج معرفة عن "الشرق" فإن الربيع العربي قد عمل على "تفكيك هذا النظام المعرفي".[2]
قد يكون هذا ممكناً، ولكن هل يساعدنا في التحليل أن نقوم فقط بتأكيد ما كنا قد نفيناه سابقاً ( وهو القول إن العرب ليسوا عنيفين بطبيعتهم ولكنهم يميلون نحو اللاعنف، على سبيل المثال)؟ هل يجب علينا أن نقبل إمكانية أن نقد إنتاج المعرفة الاستشراقية قد يقودنا إلى معرفة "لا إستشراقية" قصيرة النظر؟ حين لا يكون الانقسام الجغرافي في انتاج المعرفة بين المستعمِر والمستعمَر (يقول الفرنسيون إن الجزائريين متعصبون)، ولكنه بين الجزائر والتمانراست (يقول الحكام الجزائريون إن الناس في شمال البلاد أقل وطنية ليفسروا ضعف الاقبال على الانتخابات)، فما الذي يمكن أن نفعله هنا؟ حين يصبح الشباب – وليس المحمديون- هم الفئة الموصومة بالتدني الاجتماعي، هل يجدي هنا أن نؤكد فقط على المعرفة "المحلية"؟ حين تكون الصور النمطية عن الاحتجاجات السياسية الجزائرية مصنوعة من قبل النخبة الجزائرية، وبالتالي يتم ترديدها بشكل أعمى من قبل "المراقبين الدوليين"، فكيف يمكن لنا هنا أن نحسب حساب الشبكات الاجتماعية في إنتاج المعرفة؟
لا يكفي أن نقول إن إنتاج المعرفة الآن هو "استعمار جديد" أو أن نؤكد على أن "الشرق" يمر أخيراً بحالة "انتقالية" (كما يبدو أن دباشي يفعل حين يزعم أن الثورات هي "استعادة لحياة عالمية"[3]. عوضاً عن النظر إلى المساحات الجغرافية والثقافية، يجب علينا أن نتذكر، وكما قال Bourdieu في السابق إن "كل نظام مؤسس ينحو نحو إنتاج تطبيع لاستبداديته الذاتية".[4] ربما تكون مجموعة أفكار ما استعمارية بمنطق أن بعض المديرين روجوا لطريقة معينة في فهم المجتمع، والتاريخ، والثقافة. أو قد تكون استعمارية حين تصل إلى مدى يمكنها من تصوير طريقة لتأكيد الحقائق التي ظهرت خلال فترة من التاريخ كان المجتمع فيها تحت الاحتلال، أو قد لا تكون استعمارية على الإطلاق.
الخلاصة: الأجساد والحدود
لقد كان الاحتفال بالذكرى الخمسين في الملعب الكبير مطابقاً تماماً لما توقعه أغلب الناس، فقد كان هناك إعادة إحياء للمناسبات المقدسة في الميثولوجيا الوطنية، مثل وصول الفرنسيين إلى سيدي فرج في 1830، والنصر الذي أحرزه الأمير عبد القادر ضد الجنرال بيجو، وحرب الاستقلال. وبعد هذا، كان هناك نوع من العرض الاستعماري الذي قامت فيه عدة مناطق من البلاد تمثل التركيبة السكانية للجزائر، وبشكل غريب، بارتداء الملابس التقليدية وعزف الموسيقى المحلية لكل منهم. أما الجانب الثالث من العرض فيمكن أن نصفه فقط ب n’importe quoi (أي شيء مقبول) لمن توقعوا عرضا لمرحلة الحكم الوطني ما بعد الاستعمار. مئات من الشباب الجزائريين قاموا بعرض "الهب هوب" (وهو القفز بشكل متقلب)، كما كانت هناك استعراضات لشباب من طلبة المدارس يدورون حول أنفسهم وهم يحملون شمسيات ملونة (هل قابلت ماري بوبنز كوريا الشمالية؟). ورغم هذا، فإنه بالنسبة لجمهور نادراً ما يغادرون بيوتهم في النهار (حالة عدم الاحساس بالأمان في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية لا تزال تخيم على الجميع، خصوصاً في الجزائر العاصمة)، فإنه يمكننا قراءة حالة "أي شيء مقبول" كطريقة للتمدد خارج حدود الاحياء التاريخي. وهذا صحيح على وجه الخصوص إذا تذكرنا المرارة المتفشية في النفوس بسبب حقيقة أن النظام، وبعد خمسين عاماً من الاستقلال، لم ينجز إلا القليل لتطوير حياة الشعب. قد لا تكون طريقة "أي شيء مقبول" محوراً تحليلياً في نظرية ما بعد الاستعمار، ولكنها بالتأكيد تحتل مكانة خاصة في حياة أنظمة ما بعد الاستعمار.
هنا تأتي الخاتمة: المئات من الأجساد سارت في مسيرة إيقاعية على شكل الجزائر الوطن، وحاولت فيما بعد أن تنشر العلم الجزائري على مساحة الملعب. وإذا كانAnderson Benedict قد علمنا أن الأمم هي عبارة عن "صناعة ثقافية"، فقد نسي أن يقول لنا أنها، أحياناً، تحتاج إلى أجساد مادية لتبدو ظاهرة للعيان. حين كان العلم ينتشر على مساحة الملعب، كان ينتشر بشكل غير متساو وغير مرتب. في لحظة ما تساءلنا ما إذا كان المشهد بأكمله سينهار في الدقائق الأخيرة ولكن، وبشكل غير معقول، نجح العرض. فقد ملأ العلم المساحة، وإن كان من المستحيل ألا نلاحظ أن الهلال كان حاد الشكل بعض الشيء. بالاضافة لهذا، كان يمكننا أن نرى الأجساد تقفز إلى أعلى وتعود للأسفل بشكل عنيف مما أفسد الهدوء المحيط بالمكان. في الوقت الذي تبقى فيه الأجيال الجزائرية منقسمة بين الشعور باللامبالة تجاه السياسات الرسمية لمرحلة ما بعد الاستعمار، وعدم الاكتراث بتاريخها الثوري، يبدو من المناسب القول أن أعظم تجسيد للعقيدة الوطنية قد تم إحباطها، إيماءة رأس واحدة في كل مرة تكفي.
[نشرت هذه المقالة للمرة الأولى على “جدلية” بالإنجليزية وترجمها إلى العربية علي أديب]
[1] Fanny Colonna, “Educating Conformity in French Colonial Algeria,” in Frederick Cooper and Ann Laura Stoler (eds.), Tensions of Empire: Colonial Cultures in a Bourgeois World (Berkeley: University of California Press, 1997), 356.
[2] Hamid Dabashi, The Arab Spring: The End of Postcolonialism (London: Zed Books, 2012), 44, 47.
[3] Dabashi, The Arab Spring, 11.
[4] Pierre Bourdieu, Outline of a Theory of Theory of Practice (Cambridge: Cambridge University Press, 1977), 164.